بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكرام : يقول الله جل جلاله في سورة يونس :
[ سورة يونس ]
أيها الإخوة : الإنسان فيه دوافع ثلاثة لحاجات ثلاث ، دافع إلى الطعام والشراب لحاجة بقاء الفرد ، ودافع إلى الجنس لحاجة بقاء النوع ، ودافع إلى تأكيد الذات لحاجة بقاء الذكر .
ثلاث حاجات : أن يبقى الفرد بالطعام والشراب ، وأن يبقى النوع بالزواج ، وأن يبقى الذكر بتأكيد الذات .
نأخذ الدافع الثالث : أكلت وشربت وتزوجت لم تحل المشكلة ، لابد من أن تشعر من حولك أنك إنسان عالم مثلاً ، قوي ، تتقن حرفة ، متفوق اختصاص ، تلفت النظر إليك بعمل سلبي أو إيجابي ، فما من واحد إلا و فيه حاجة إلى تأكيد الذات ، من أجل بقاء الذكر ، يقول : كرامتي ، مكانتي ، هيبتي ، شعبيتي ، من حولي ، فالآيتان اللتان تلوتهما على مسامعكم متعلقتان بتأكيد الذات ، ما الذي يزعجك ؟ أن تكون ذليلاً ، ما الذي يؤلمك ؟ أن يقهرك إنسان ، أن يقلل من شأنك إنسان ، أن ينال منك إنسان ، أن يزدريك إنسان ، ما الذي يسعدك ؟ أن تكون محترماً ، مبجلاً ، موقراً ، ذا هيبة ، هل تصدقون أن لتأكيد الذات طريق يفضي إلى الجنة ، يقول الله عز وجل :
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا (26)
المطلق على إطلاقه ، أي أحسن في انتقاء زوجته ، انتقاها ذات صلاح و دين ، أحسن في تربية أولاده ، أحسن في إتقان عمله ، أحسن في علاقته بمن حوله : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى(26)
الحسنى هي الجنة ، أي الحسنى ثمنها أن تحسن ، الجنة ثمنها أن يكون عملك طيباً ، هذا شيء بالفطرة ، تجد إنساناً شريراً يؤذي ، يبني مجده على أنقاض الناس ، يبني حياته على موتهم أحياناً ، يبني غناه على إفقارهم ، يبني أمنه على خوفهم ، يبني عزه على ذلهم ، إنسان في خدمة الخلق ، الخير بيده والشر بيده ، فطوبى لمن قدرت على يده الخير ، والويل لمن قدرت على يده الشر ٍ.
إذاً إن أحسنت فلك الجنة بمطلق الكلمة ، إن أحسنت في صنعتك ، إن أحسنت في طبك ، في هندستك ، في مرافعتك ، في دفاعك عن موكل مظلوم ، إن أحسنت في صنع هذه البضاعة ، إن أحسنت في تصنيع هذه المواد الغذائية ، أن أحسنت في علاقاتك مع الناس : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا (26)
والإحسان يدرك بالفطرة ، و الإساءة تدرك بالفطرة ، الدليل أن السيدة خديجة عندما جاءها النبي وقد جاءه الوحي ، وكان النبي وجلاً علمت وجله قالت : والله لا يخزيك الله أبداً ، لماذا ؟ من أعلمها بذلك ؟ و الله لا يخزيك الله أبداً ، إنك تقري الضيف ، و تحمل الكل ، وتعين على نوائب الدهر .
إذاً لن يخزيك الله أبداً ، أنا أقول لكم تقليداً : أي شخص منا إذا كان عمله جيداً محسناً ، إن كان ابناً صالحاً ، وإن كان شاباً مستقيماً ، وإن كان أباً رحيماً ، وإن كان زوجة ترعى زوجها وأولادها ، وإن كان طبيباً مخلصاً ، يحاول شفاء المريض دون أن يبتز ماله ، وإن كان محاميا يدافع عن موكله بإخلاص دون أن يوهمه بنجاح الدعوة ، وهي خاسرة سلفاً ،ٍ إن كان بائعاً يبيع بضاعة جيدة بسعر معتدل وبمعاملة طيبة ، وإن كان مدرساً يعلم طلابه لا على قدر المعاش ، على قدر حاجتهم إلى العلم : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (26)
الحسنى : الجنة ، الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى ، وقد ورد في بعض الآثار أن المؤمنين يوم القيامة إذا نظروا إلى وجه الله الكريم غابوا خمسين ألف عام من نشوة النظرة :
[ سورة القيامة : 22-23]
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ (26)
متى تكون عزيزاً ؟ في الدنيا إذا كنت محسناً ، قد تجد حاجبًا عزيزا ، لأنه يقوم بعمله قياماً صحيحاً ، وتجد أكبر إنسان بالمؤسسة ذليلا لأنه ملصقٌ بتهمة اختلاس ، فأعضاؤه ترتعد خوفاً من كشف الاختلاس : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (26)
أي إن أردت أن تكون عزيزاً ، موقراً ، محترماً ، تنام مرتاح البال ، تنام مطمئناً ، لا تخاف من أحد ، لا تحسب حساباً لأحد ، رافع رأسك ، فكن محسناً ، ومن ضمن الإحسان الاستقامة ، الاستقامة والعمل الصالح إذا اجتمعتا تفرقتا ، وإن افترقتا اجتمعتا ، إذا قلنا : إحسان فقط أي مستقيم ، وله عمل صالح ، إذا قلنا : مستقيم فقط أي مستقيم ، وله عمل صالح ، إذا اجتمعتا تفرقتا ، وإن افترقتا اجتمعتا ، إذا قلنا : مستقيم ، وله عمل صالح ، مستقيم ترك كل المنهيات وله عمل صالح فعل كل شيء جيد ، الاستقامة ترك ، والعمل الصالح عطاء ، إن اجتمعا تفرا ، وإن تفرقا اجتمعا : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا (26)
اجتمعا ، أحسن أي مستقيم ، و عمله صالح ، ثمن الجنة أن تنتهي عما عنه نهاك ، وأن تأتمر بما أمر به ، وأن تكمن محسناً للخلق .
من ثمار الاستقامة والعمل الصالح أنك عزيز لا تهاب أحداً ، ولا تخاف من أحد ، لأنك واضح كالشمس ، أمورك منضبطة ، أما إذا وجد خطأ بالمال ، خطأ بالعلاقات ، يوجد خلوة ، ثم كشفت هذه الخلوة خوف الفضيحة ، خوف الافتضاح ، عندئذ القضية تحتاج إلى تذلل وإلى ترجٍّ وخنوع و خضوع ، قانون العزة أن تكون مستقيماً محسناً ، قانون الذل أن تكون منحرفاً مسيئاً : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ (26)
كنت مرة عند صديق يعمل قاضي تحقيق ، أول فأنا جالس عنده يحقق مع إنسان قاتل ، شيء ممتع كيف يسأله وكيف يستجوبه ، وهذا القاتل يرهق وجهه كآبة وقتر وذل ، فتح الباب دخل شاب مشرق الوجه ، مبتسم ، كلفه القاضي بإصلاح ساعته ، سبحان الله الفرق بين هذا وهذا كبير جداً ، هذا مشرق الوجه يبدو أنه لا يوجد عليه مشكلة ، وكل إنسان مستقيم وعمله صالح يشعر بثقة بنفسه ، وينتزع إعجاب الناس : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(26)
في الدنيا عزيز ، وفي الآخرة في الجنة ، لذلك : سبحانك لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت ، العزة لله و لرسوله و للمؤمنين .
القانون الثاني : وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ
[ سورة يونس : 27]
هذا قانون العزة ، وقانون الذلة ، إن كنت مستقيماً ، ولك عمل طيب فأنت عزيز عند كل الناس ، والله حدثني إنسان في بلد آخر يعمل في مؤسسة له مدير عام منحرف انحرافاً مخيفاً ، غارق بشرب الخمر والزنا وما إلى ذلك ، هو يعمل معه بالمؤسسة ، لكن هذا الموظف مستقيم تماماً ومنضبط ونزيه ومحسن ، وهذا الذي يعمل معه متفلت أبعد الحدود وفاجر وغارق بالزنا وفي شرب الخمر ، اقتضى العمل أن يكون هذا الموظف مع مديره في مهمة في سفر ، يقول لي هذا الأخ : ذهبنا إلى بلد بعيد ، ودخلنا إلى مطعم ، والمفاجأة لم يطلب ما حرم الله من المشروبات ، فبعد أن انتهى الطعام قال له بالحرف الواحد : أستاذ لاحظت أنه لم نضع خمراً على الطاولة ؟ قال له : لاحظت ، قال له : هذا لأن دينك أصلي ، ليس زعبرة ، بالضبط ، أي دينك أصلي ، أي هذا الفاجر ، هذا المنحرف الغارق في المعاصي أدرك أن هذا مستقيم فاحترمه إكراماً له لم يضع على الطاولة شيئاً محرماً ، وأنت حينما تكون مستقيماً يلقي الله عليك هيبة ، هيبة الله : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(26)وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا
حدثني أخ مقيم في واشنطن ، بعد فضيحة مونيكا جمع الرئيس كلينتون رجال الدين ن و الرجل كان حاضراً ، وتكلم أمامه كلمات ، هو رئيس الجالية الإسلامية في أمريكا ، قال : و الله بكى رئيس الجمهورية خجلاً من هذه الفضيحة ، لأنه ارتكب سيئة بكل المقاييس ، حتى بالمقاييس غير الإسلامية ارتكب شيئاً ممنوعاً أن يرتكبه فصار يبكي ، ويعتذر ، ويقول : اغفروا لي ، ولتغفر لي زوجتي وابنتي ، لماذا ؟ وهو في أعلى مقام بالعالم أي لا يوجد منصب أعلى منه بالعالم ، أعلى منصب بأقوى دولة بالعالم اضطر أن يبكي وأن يكون ذليلاً ، وأن يعتذر لمن حوله ، أي أكبر موقف فيه ذل ؟ أمام زوجته التي خنها وأمام ابنته التي اقتنعت بالإسلام ، فلذلك : وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ (27)
الإنسان إذا اختلس المال سيقف صاغراً أمام المحقق ، إذا ارتكب خيانة بعلاقة مع النساء سيقف صاغراً من يحقق معه في هذا الموضوع ؟ إن أردت أن تكون عزيزاً فكن مستقيماً .
والله قد يكون الحاجب أشد عزة ممن يعمل عنده ، لأنه مستقيم ، فإذا سألتني عن قانون العزة والذل أقل لك : استقم وأحسن تكن عزيزاً ، ولا سمح الله ولا قدر من ينحرف ويسئ يكون ذليلاً ، ولابد من أن يفضحه الله على رؤوس الخلق ، لأن الإنسان يتوهم أنه بذكائه ينجو ، لكن الله سبحانه وتعالى إذا أراد إنفاذ أمر أخذ من كل ذي لب لبه ، ووقع في شر عمله .
مثلاً قانون التيسير و التعسير :
[ سورة الليل : 5-7]
قانون المحبة و العداوة :
[سورة المائدة : 14]
القرآن قوانين ، قانون المحبة والبغضاء ، إذا نسيت حظاً مما ذكرت به أغريت بعداوة الآخرين ، وإذا كنت مستقيماً أحببتهم ، عن عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِيطٍ قَالَ : ((أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَزْفَلَةٍ مِنْ النَّاسِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ.....وَمَا تَوَادَّ اثْنَانِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إِلَّا حَدَثٌ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا ...)) .
[ أحمد ]
هذا قانون العزة والذلة استقم ، واعمل صالحاً تكن عزيزاً ، وقصر وانحرف تكن ذليلاً ولو كنت كبيراً ، أكبر الكبراء يهان ، توجه له أقسى الكلمات ، لو كان مستقيماً ينتزع إعجاب الناس واحترامهم .
و الحمد لله رب العالمين
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
أيها الإخوة الكرام : يقول الله جل جلاله في سورة يونس :
[ سورة يونس ]
أيها الإخوة : الإنسان فيه دوافع ثلاثة لحاجات ثلاث ، دافع إلى الطعام والشراب لحاجة بقاء الفرد ، ودافع إلى الجنس لحاجة بقاء النوع ، ودافع إلى تأكيد الذات لحاجة بقاء الذكر .
ثلاث حاجات : أن يبقى الفرد بالطعام والشراب ، وأن يبقى النوع بالزواج ، وأن يبقى الذكر بتأكيد الذات .
نأخذ الدافع الثالث : أكلت وشربت وتزوجت لم تحل المشكلة ، لابد من أن تشعر من حولك أنك إنسان عالم مثلاً ، قوي ، تتقن حرفة ، متفوق اختصاص ، تلفت النظر إليك بعمل سلبي أو إيجابي ، فما من واحد إلا و فيه حاجة إلى تأكيد الذات ، من أجل بقاء الذكر ، يقول : كرامتي ، مكانتي ، هيبتي ، شعبيتي ، من حولي ، فالآيتان اللتان تلوتهما على مسامعكم متعلقتان بتأكيد الذات ، ما الذي يزعجك ؟ أن تكون ذليلاً ، ما الذي يؤلمك ؟ أن يقهرك إنسان ، أن يقلل من شأنك إنسان ، أن ينال منك إنسان ، أن يزدريك إنسان ، ما الذي يسعدك ؟ أن تكون محترماً ، مبجلاً ، موقراً ، ذا هيبة ، هل تصدقون أن لتأكيد الذات طريق يفضي إلى الجنة ، يقول الله عز وجل :
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا (26)
المطلق على إطلاقه ، أي أحسن في انتقاء زوجته ، انتقاها ذات صلاح و دين ، أحسن في تربية أولاده ، أحسن في إتقان عمله ، أحسن في علاقته بمن حوله : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى(26)
الحسنى هي الجنة ، أي الحسنى ثمنها أن تحسن ، الجنة ثمنها أن يكون عملك طيباً ، هذا شيء بالفطرة ، تجد إنساناً شريراً يؤذي ، يبني مجده على أنقاض الناس ، يبني حياته على موتهم أحياناً ، يبني غناه على إفقارهم ، يبني أمنه على خوفهم ، يبني عزه على ذلهم ، إنسان في خدمة الخلق ، الخير بيده والشر بيده ، فطوبى لمن قدرت على يده الخير ، والويل لمن قدرت على يده الشر ٍ.
إذاً إن أحسنت فلك الجنة بمطلق الكلمة ، إن أحسنت في صنعتك ، إن أحسنت في طبك ، في هندستك ، في مرافعتك ، في دفاعك عن موكل مظلوم ، إن أحسنت في صنع هذه البضاعة ، إن أحسنت في تصنيع هذه المواد الغذائية ، أن أحسنت في علاقاتك مع الناس : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا (26)
والإحسان يدرك بالفطرة ، و الإساءة تدرك بالفطرة ، الدليل أن السيدة خديجة عندما جاءها النبي وقد جاءه الوحي ، وكان النبي وجلاً علمت وجله قالت : والله لا يخزيك الله أبداً ، لماذا ؟ من أعلمها بذلك ؟ و الله لا يخزيك الله أبداً ، إنك تقري الضيف ، و تحمل الكل ، وتعين على نوائب الدهر .
إذاً لن يخزيك الله أبداً ، أنا أقول لكم تقليداً : أي شخص منا إذا كان عمله جيداً محسناً ، إن كان ابناً صالحاً ، وإن كان شاباً مستقيماً ، وإن كان أباً رحيماً ، وإن كان زوجة ترعى زوجها وأولادها ، وإن كان طبيباً مخلصاً ، يحاول شفاء المريض دون أن يبتز ماله ، وإن كان محاميا يدافع عن موكله بإخلاص دون أن يوهمه بنجاح الدعوة ، وهي خاسرة سلفاً ،ٍ إن كان بائعاً يبيع بضاعة جيدة بسعر معتدل وبمعاملة طيبة ، وإن كان مدرساً يعلم طلابه لا على قدر المعاش ، على قدر حاجتهم إلى العلم : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (26)
الحسنى : الجنة ، الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى ، وقد ورد في بعض الآثار أن المؤمنين يوم القيامة إذا نظروا إلى وجه الله الكريم غابوا خمسين ألف عام من نشوة النظرة :
[ سورة القيامة : 22-23]
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ (26)
متى تكون عزيزاً ؟ في الدنيا إذا كنت محسناً ، قد تجد حاجبًا عزيزا ، لأنه يقوم بعمله قياماً صحيحاً ، وتجد أكبر إنسان بالمؤسسة ذليلا لأنه ملصقٌ بتهمة اختلاس ، فأعضاؤه ترتعد خوفاً من كشف الاختلاس : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (26)
أي إن أردت أن تكون عزيزاً ، موقراً ، محترماً ، تنام مرتاح البال ، تنام مطمئناً ، لا تخاف من أحد ، لا تحسب حساباً لأحد ، رافع رأسك ، فكن محسناً ، ومن ضمن الإحسان الاستقامة ، الاستقامة والعمل الصالح إذا اجتمعتا تفرقتا ، وإن افترقتا اجتمعتا ، إذا قلنا : إحسان فقط أي مستقيم ، وله عمل صالح ، إذا قلنا : مستقيم فقط أي مستقيم ، وله عمل صالح ، إذا اجتمعتا تفرقتا ، وإن افترقتا اجتمعتا ، إذا قلنا : مستقيم ، وله عمل صالح ، مستقيم ترك كل المنهيات وله عمل صالح فعل كل شيء جيد ، الاستقامة ترك ، والعمل الصالح عطاء ، إن اجتمعا تفرا ، وإن تفرقا اجتمعا : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا (26)
اجتمعا ، أحسن أي مستقيم ، و عمله صالح ، ثمن الجنة أن تنتهي عما عنه نهاك ، وأن تأتمر بما أمر به ، وأن تكمن محسناً للخلق .
من ثمار الاستقامة والعمل الصالح أنك عزيز لا تهاب أحداً ، ولا تخاف من أحد ، لأنك واضح كالشمس ، أمورك منضبطة ، أما إذا وجد خطأ بالمال ، خطأ بالعلاقات ، يوجد خلوة ، ثم كشفت هذه الخلوة خوف الفضيحة ، خوف الافتضاح ، عندئذ القضية تحتاج إلى تذلل وإلى ترجٍّ وخنوع و خضوع ، قانون العزة أن تكون مستقيماً محسناً ، قانون الذل أن تكون منحرفاً مسيئاً : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ (26)
كنت مرة عند صديق يعمل قاضي تحقيق ، أول فأنا جالس عنده يحقق مع إنسان قاتل ، شيء ممتع كيف يسأله وكيف يستجوبه ، وهذا القاتل يرهق وجهه كآبة وقتر وذل ، فتح الباب دخل شاب مشرق الوجه ، مبتسم ، كلفه القاضي بإصلاح ساعته ، سبحان الله الفرق بين هذا وهذا كبير جداً ، هذا مشرق الوجه يبدو أنه لا يوجد عليه مشكلة ، وكل إنسان مستقيم وعمله صالح يشعر بثقة بنفسه ، وينتزع إعجاب الناس : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(26)
في الدنيا عزيز ، وفي الآخرة في الجنة ، لذلك : سبحانك لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت ، العزة لله و لرسوله و للمؤمنين .
القانون الثاني : وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ
[ سورة يونس : 27]
هذا قانون العزة ، وقانون الذلة ، إن كنت مستقيماً ، ولك عمل طيب فأنت عزيز عند كل الناس ، والله حدثني إنسان في بلد آخر يعمل في مؤسسة له مدير عام منحرف انحرافاً مخيفاً ، غارق بشرب الخمر والزنا وما إلى ذلك ، هو يعمل معه بالمؤسسة ، لكن هذا الموظف مستقيم تماماً ومنضبط ونزيه ومحسن ، وهذا الذي يعمل معه متفلت أبعد الحدود وفاجر وغارق بالزنا وفي شرب الخمر ، اقتضى العمل أن يكون هذا الموظف مع مديره في مهمة في سفر ، يقول لي هذا الأخ : ذهبنا إلى بلد بعيد ، ودخلنا إلى مطعم ، والمفاجأة لم يطلب ما حرم الله من المشروبات ، فبعد أن انتهى الطعام قال له بالحرف الواحد : أستاذ لاحظت أنه لم نضع خمراً على الطاولة ؟ قال له : لاحظت ، قال له : هذا لأن دينك أصلي ، ليس زعبرة ، بالضبط ، أي دينك أصلي ، أي هذا الفاجر ، هذا المنحرف الغارق في المعاصي أدرك أن هذا مستقيم فاحترمه إكراماً له لم يضع على الطاولة شيئاً محرماً ، وأنت حينما تكون مستقيماً يلقي الله عليك هيبة ، هيبة الله : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(26)وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا
حدثني أخ مقيم في واشنطن ، بعد فضيحة مونيكا جمع الرئيس كلينتون رجال الدين ن و الرجل كان حاضراً ، وتكلم أمامه كلمات ، هو رئيس الجالية الإسلامية في أمريكا ، قال : و الله بكى رئيس الجمهورية خجلاً من هذه الفضيحة ، لأنه ارتكب سيئة بكل المقاييس ، حتى بالمقاييس غير الإسلامية ارتكب شيئاً ممنوعاً أن يرتكبه فصار يبكي ، ويعتذر ، ويقول : اغفروا لي ، ولتغفر لي زوجتي وابنتي ، لماذا ؟ وهو في أعلى مقام بالعالم أي لا يوجد منصب أعلى منه بالعالم ، أعلى منصب بأقوى دولة بالعالم اضطر أن يبكي وأن يكون ذليلاً ، وأن يعتذر لمن حوله ، أي أكبر موقف فيه ذل ؟ أمام زوجته التي خنها وأمام ابنته التي اقتنعت بالإسلام ، فلذلك : وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ (27)
الإنسان إذا اختلس المال سيقف صاغراً أمام المحقق ، إذا ارتكب خيانة بعلاقة مع النساء سيقف صاغراً من يحقق معه في هذا الموضوع ؟ إن أردت أن تكون عزيزاً فكن مستقيماً .
والله قد يكون الحاجب أشد عزة ممن يعمل عنده ، لأنه مستقيم ، فإذا سألتني عن قانون العزة والذل أقل لك : استقم وأحسن تكن عزيزاً ، ولا سمح الله ولا قدر من ينحرف ويسئ يكون ذليلاً ، ولابد من أن يفضحه الله على رؤوس الخلق ، لأن الإنسان يتوهم أنه بذكائه ينجو ، لكن الله سبحانه وتعالى إذا أراد إنفاذ أمر أخذ من كل ذي لب لبه ، ووقع في شر عمله .
مثلاً قانون التيسير و التعسير :
[ سورة الليل : 5-7]
قانون المحبة و العداوة :
[سورة المائدة : 14]
القرآن قوانين ، قانون المحبة والبغضاء ، إذا نسيت حظاً مما ذكرت به أغريت بعداوة الآخرين ، وإذا كنت مستقيماً أحببتهم ، عن عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِيطٍ قَالَ : ((أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي أَزْفَلَةٍ مِنْ النَّاسِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ.....وَمَا تَوَادَّ اثْنَانِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إِلَّا حَدَثٌ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا ...)) .
[ أحمد ]
هذا قانون العزة والذلة استقم ، واعمل صالحاً تكن عزيزاً ، وقصر وانحرف تكن ذليلاً ولو كنت كبيراً ، أكبر الكبراء يهان ، توجه له أقسى الكلمات ، لو كان مستقيماً ينتزع إعجاب الناس واحترامهم .
و الحمد لله رب العالمين