لقد كانت للحياة البدوية البسيطة وروعة المناظر الطبيعية الصحراوية الأثر الكبير في
تنمية ورقي الذوق الجمالي الفني لأهل سوف، وامتزج الشعور المرهف والخيال الخصب
بالمعاناة اليومية، فتدفقت الأشعار وانسابت الألحان وتعالت الأصوات مرددة الأشعار
في كل مناسبة حتى أصبح الفن جزءا من حياة المواطن السوفي ومرافقا له في أوقات عمله
وراحته وفرحه وترحه، وقد برز شعراء كتبوا في الشعر الملحون ويؤدى باللهجة المحلية.
كما برز آخرون في الشعر الفصيح. وقد تنوعت الأغراض الشعرية فمنها:
الشعر الديني
وهو الذي يشمل على تعظيم الذات الإلهية، ومدح الرسالة المحمدية ومدح صاحبها عليه
الصلاة والسلام، وتعدد خصاله وأخلاقه مثلما قال عمر من صالح التاغزوتي:
بسم الله العظيم جل جلاله ليس مثله شبيه في ملكه واحد
قادر فاعل مريد كل أمسالي رافع سبع اطباق من غير عمد
أو كما قال قدور بن التومي حين تشوّق لزيارة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم:
قلبي شوّر شاهي نعزم قــاصد بيــت الله
لمقــــام الـــرسول نـدور زمزم نشرب ماه
حب الرسول مهبلــــني لا هــاجع مرتـــاه
الشعر الصوفي
وهو أحد أغراض الشعر الديني ويُدعى "المدح"، ويقوم الشاعر فيه بتعظيم الطريقة
الصوفية التي ينتمي إليها والإشادة بشيوخها وأعمالها، وكان هذا الشعر ينشد في
المناسبات من طرف فرقة تُدعى " الحضرة " ولكل طريقة صوفية فرقتها الخاصة بها.
الشعر الإجتماعي
ويدخل في إطاره الشعر الرثائي والمدحي والملحمي والفخري والحكمي والمناسباتي وهذه
بعض الأمثلة:
شعر الرثاء:
قال الشيخ الطاهر العبيدي راثيا الشيخ محمد العربي بن محمد الصالح بن موسى (موساوي)
ليس للحال بقاء فاحذروا سطوات الدهر واللهو ذروا
واذكروا قوما صفى الوقت لهم فرحوا بوقتهم واستبشروا
مثل أهل سوف قد كان لهم سيدا دراكة واستبشروا
نجل موسى العربي المرضي فهو بحر وسواه جعفر
الشعر الملحمي:
وهو والذي يفتخر فيه الشاعر بحياة البداوة ويتغنى ببطولة رجالها ويعدد مناقبهم
وانتصاراتهم كما قال الشاعر علي بالذيب في شعره الملحون:
كنا نزالي في لبساط الخالي وقنطاس عالي عاليات ارفافه
ونتقصدوا للضيف كيف يوالي اذا جابنا المكتوب شور اصدافه
الشعر الفخري:
يفتخر صاحب الشعر الملحون خليفة بن قانة على غريمه من أهل عميش بأرضه ونخله الباسق
فيقول :
تهزي على بلاد لبكار ورهوط عن كل صيفه
نخل بدع مازال جبار بثمار حافل خريفه
شعر الحكمة:
يحكى أن رجلا أقسم على ذبح كبش "ليته" سبعة اشبار عندما يولد له ولد، و إلا طلّق
زوجته، وعندما رزق بولد لم يعثر على تلك المواصفات فاتصل بالشاعر الفطن أحمد ملاك
فأمره أن يقيس بشبر الصبي وقال في ذلك شعرا:
الالياش ما يضربو بسيف ولا يطعموا ضيف باير
لعشب ما يعيش في الصيف يمنوه بشبوب داير
عليكم بشبر المولود يا معميين البصاير
الالياش: هم الانذال
شبوب: هو المطر الخفيف
الشعر الغنائي
وله نوعان :
الأول وهو "الموقف":
ويقوله الشاعر واقفا على الجوق، ولا يصحبه رقص ولا ضرب
بالدف كما في الأغنية المشهورة:
غرود عالية والموت فيها جتني لاصبت ناسي ولا عرب زارتني
أجلي تمت ني سرت لله والخليقة اتلمّت الارض الصحيحة كيف عني صمّت
جيت ثايرة كان الخشب نطحتني
الثاني وهو الغناء المعروف:
و هو ما يتداول قديما وحديثا في الأعراس
والمناسبات السارة وقد اشتهر الكثير من المؤدين لهذا النوع من أمثال: عبد الله
مناعي- محمد محبوب - أحمد التومي وغيرهم وأشهر ماغنوا:
سعد أيامي يدوم عليا
يا ابنيت العرجون
الشعر الهزلي
ويقصد به اللعب والترفيه ويُدعى "الربط" وفيه أنواع من التحدي، ويعتمد فيه على
الذكاء والنباهة، ويدفع الخصم إلى نوع من المبارزة الشعرية. وله أنواع منها: ربط
الآبار، إذ يقول أحدهم شعرا على شكل لغز وبه يمنع كل إنسان من استعمال البئر حسب
العرف، حتى يقوم شاعر آخر بالرد على اللغز شعرا ولو استمر ذلك أياما، وكذلك ربط
العرس وهو أخطر من الأول، فلا يمكن للعرس أن يتم حتى يرد أحد الشعراء على اللغز
بشعر مماثل ، فإن عجز الجميع، يستنجدون بأحد الشعراء ولو تطلب الأمر استقدامه من
منطقة مجاورة.
كما ظهرت أنواع أخرى كالشعر القصصي والغزلي والفروسية. ومن أبرز الذين أنجبتهم سوف
الشاعر الفصيح محمد العيد آل خليفة الذي يُعتبر من فطاحلة الشعر الجزائري، كما برزت
نساء في الشعر الملحون مثل الشاعرة حدّي الزرقي الملقبة بشاعرة الصحراء الجزائرية
(توفيت في المدينة المنورة سنة 1949)، كما برزت الشاعرة فاطمة منصوري التي أنشدت
قصائد ثورية ملتهبة حماسا وحميّة تصف فيها الثوار والمعارك التي يخوضونها.
وذاكرة التراث الشعري بمنطقة وادي سوف تحتفظ بالعديد من الشعراء، ولا زالت إلى
اليوم تنجب منهم الكثير، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الشاعر الشعبي علي
عناد وعبد الرزاق بابه والشاعر الفصيح أبو بكر مراد، السعيد المثردي، السعيد حرير
ومحمد الصالح باوية، كما ظهر الشعر السياسي مثل شعر ضو رمّة شاعر حركة مجتمع السلم
والشاعر المتفتح مسعود عاد وغيرهم.[right]